كتب أيوب نصرهل نجح ويتكوف والديبلوماسية الصامتة في إحداث إختراق

كتب أيوب نصرهل نجح ويتكوف والديبلوماسية الصامتة في إحداث إختراق

كتب: أيوب نصر

أما قبل، فأستسمحك أيها القارئ الكريم أن أقص عليك بعض خبري، وليس في ذلك رفاهية في الكلام أو طمع في الاسترسال، ولكن لارتباط وطيد بين ما سأقصه عليك وما سأقوله بخصوص الموضوع. فقد كنت جمعت عقلي وجهزت ذهني وأعددت عدتي لأكتب مقالي هذا يوم الأربعاء 13 جمادى الآخرة 1447 (3 ديسمبر 2025)، لكن حبسني دون ذلك ما أتصل بي من خبر وفاة أحد الأحبة، ولم أكن قد رأيته منذ سنوات، بعد أن نزغ الشيطان بيني وبينه وبيني وبين دويه ومحبيه. فلم يكن هناك عناء في عدم الذهاب، ولكن حين وصلت، اتصل ما كان منقطعًا بيني وبينهم كأنه لم ينقطع يومًا، وهذه هي الجنائز، تلين فيها القلوب وتهدأ فيها الصدور، وتسكن فيها الأنفس، وتقبل فيها الوجوه على أشياء كثيرة من أمور الآخرة. ومن هنا تكون للجنائز دبلوماسية خاصة بها.

“من صمت ويتكوف إلى دبلوماسية الجنائز”

وستيف ويتكوف، منذ أن كان مبعوثًا للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، كثرت زياراته إلى موسكو، وفي كل مرة يعمد إلى نوع من الدبلوماسية، إلى أن انتهى به الأمر إلى “الدبلوماسية الهادئة والسرية”وهذا مما يستدل به على فشل الأنواع السابقة. وأحب أن أبشره أن مصير “الدبلوماسية الهادئة والسرية” المتبعة الآن إلى الفشل أيضًا، وأحب أن أبذل إليه نصيحة، وهي أن يعمد إلى نوع آخر من الدبلوماسية لعله يكون أكثر جدوى في تحقيق اختراق في الأزمة الأوكرانية، وهو: “دبلوماسية الجنائز”, لما وصفت لك من الأحوال التي تعمها وسلطان الرقة واللين الذي يبسط يده على النفوس والقلوب والعقول معًا. فعلى السيد ويتكوف أن يتحين أول جنازة لأحد الرؤساء أو القادة ليفاتح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في المسألة الأوكرانية، ولكن أخوف ما أخاف هو أن يكون هذا القائد الذي سيقبر رئيسًا لدولة تمنع الرئيس الروسي من دخولها، وعلى كل حال، فهذه ليست مشكلتي، وإنما هي مشكلة السيد ويتكوف يقضي فيها بما يشاء.

“ابتسامة أمام بوتين.. وواقع أمام أوكرانيا”

أما الذين يعولون على المظهر الذي ظهر به ستيف ويتكوف أمام بوتين، من جمالية الهندام والابتسامة المشرقة، ومقارنتها بمظهره أمام الوفد الأوكراني، وإعتبار ذلك دليلًا على قرب حل الأزمة، فهم واهمون. وأما تغير مظهره وظهور ابتسامته، فذلك لأن الوفد الأوكراني ينظر إليه الولايات المتحدة على أنه “أداة يتم قضاء المصالح بهم أو عن طريقهم”. أما مع بوتين، فالرجل يعلم أمام رئيس دولة، وليست أي دولة، وما نحن ببعيد عن ياسر أبو شباب وكيف تعاملت معه دولة الاحتلال وإلى أين انتهى به الحال، فهذه من تلك. كما أن وجوده مع الوفد الأوكراني هو وجود له منحنى يسير من الأعلى إلى الأدنى؛ فصاحب الحاجة هو الوفد، أما صاحب الحاجة في لقاء بوتين فكان هو ويتكوف.

“الصفقة المستحيلة: بين الطموح الأمريكي والثبات الروسي”

العائق الكبير أمام إيجاد حل للمسألة الأوكرانية وتحقيق اختراق فيها يكمن في أمرين مرتبطين ببعضهما البعض، والأول منهما يقذفنا إلى الثاني. فأما الأول فهو أن الإدارة الأمريكية حقًا تسعى إلى صفقة، لكنها تنتظر من الجانب الروسي أن يقدم شيئًا ولو على سبيل التنازل. فلا يمكن أن تقبل هذه الإدارة، التي تقوم في أساس نشأتها على إبرام الصفقات، بصفقة ليس لها فيها ربح ولا عائد. وهذا ينتهي بنا إلى الأمر الثاني، وهو أن ما يمكن أن يقدمه الروس هو أمران: إما التخلي عن الصين، وهذا ممتنع، أو الاكتفاء بدونيتسك، وتجميد الصراع في باقي المقاطعات دون اعتراف دولي وأمريكي، وهي (أي روسيا) التي لن تقبل حتى بمسألة التنازل عن وجود اللغة الروسية في أوكرانيا (وهذا أمر خطير لا يقل في خطورته عن باقي الشروط الروسية). ولو حدث شيء من هذا فإن روسيا ستعتبر نفسها منهزمة، لأن المنتصر لا يتنازل، وهذا سيهدد وجود الدولة الروسية في شكلها الحالي. لهذا، أستبعد أن تقدم روسيا أي تنازل، خاصة أن للميدان حكمه.
وما سربته يوم الخميس (4/12/2025) إحدى الصحف الأوروبية من مكالمة صوتية جمعت أمين عام حلف الناتو وقادة دول ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، وما قيل فيها من “استحالة ترك زيلينسكي منفردًا مع ترامب وبوتين”لا يزيد عن كونه فبركة يراد من وراءها بيان وجود انشقاق أوروبي أمريكي. وحقيقة الأمر أن أوروبا فقط تلعب دور الصقور، وهي الجزرة التي بيد ترامب، وهذا ما تسفر عنه الركاكة التي كانت في المحادثة، مما يبين فبركتها وتعمد تسريبها. وحتى الإعلام الروسي مر عليها مرور الكرام ولم يقف عندها طويلاً، كأنها خبر باهت لا يستحق، وذلك على طرفي النقيض مع تعامله مع المكالمة التي سربتها مرغريتا سيمونيان قبل سنتين تقريبًا. وهذا يذهب بنا إلى القول بأن الجانب الروسي يدرك طبيعة العلاقة الأوروبية الأمريكية، وأنها “العصا والجزرة”.
وكل هذا، وما سبقه، يحملني على القول بأن هذه المباحثات التي أجراها بوتين وويتكوف لن تؤدي إلى شيء ولن تنتج عنها شيئًا.وأخيرًا، على السيد ويتكوف أن يجرب العمل بالنصيحة التي بذلتها له، ويجرب “دبلوماسية الجنائز”بعدما جرب الدبلوماسية المكوكية والصاخبة، والديبلوماسية في الحدائق والشواطئ. فالديبلوماسية الصامتة في طريقها إلى الفشل، وعليه الآن بالجنائز.

الكاتب أيوب نصر

باحث في العقائد والمدارس الفكرية والاستشراق ومهتم بالشأن الأوراسي والفكر الجيوسياسي

أبرز نقاط المقال

هل نجح ويتكوف والديبلوماسية الصامتة في إحداث إختراق؟الدبلوماسية الصامتة والهادئة: فشلها في تحقيق اختراق في الأزمة الأوكرانية. دبلوماسية الجنائز: تقديمها كنموذج بديل يؤثر في النفوس والقلوب. اللقاءات مع بوتين: تقييم تأثير المظهر والابتسامة مقابل الوفد الأوكراني. الصفقة الأمريكية الروسية: استحالة تقديم روسيا أي تنازل حول الصين ودونييتسك واللغة الروسية. فبركة الأخبار الأوروبية: محاولة إظهار الانقسام الأوروبي الأمريكي دون تأثير حقيقي. الخلاصة: على ويتكوف تجربة دبلوماسية الجنائز بعد فشل الدبلوماسية الصاخبة والمكوكية.

■ مصدر الخبر الأصلي

نشر لأول مرة على: pravdatv.org

تاريخ النشر: 2025-12-05 17:30:00

الكاتب: قسم التحرير

تنويه من موقع "beiruttomorrow.com/":

تم جلب هذا المحتوى بشكل آلي من المصدر: pravdatv.org بتاريخ: 2025-12-05 17:30:00. الآراء والمعلومات الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي موقع "beiruttomorrow.com/%22%D8%8C والمسؤولية الكاملة تقع على عاتق المصدر الأصلي.

ملاحظة: قد يتم استخدام الترجمة الآلية في بعض الأحيان لتوفير هذا المحتوى.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى